"الإيكونوميست": "النينيو" تفاقم خسائر حرائق الأمازون وتمحو عقداً من التقدم البيئي
"الإيكونوميست": "النينيو" تفاقم خسائر حرائق الأمازون وتمحو عقداً من التقدم البيئي
التهمت حرائق الغابات في عام 2024 مساحات شاسعة من الغابات الاستوائية في أمريكا اللاتينية، متسببة في محو الإنجازات التي حققتها بعض الحكومات في الحد من إزالة الغابات خلال السنوات الأخيرة.
ووفقاً لتقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست"، الأربعاء، أطلقت منظمة "مراقبة الغابات العالمية" (GFW)، التابعة لمعهد الموارد العالمية، بيانات في 21 مايو تؤكد أن ما يزيد على 51 ألف كيلومتر مربع من الغابات الاستوائية الناضجة قد اختفت، أي ما يعادل مساحة دولة كوستاريكا.
شكّلت الحرائق 60% من هذا الدمار، وهي نسبة قياسية، كما ارتفعت المساحات المدمرة بنسبة 142% مقارنة بعام 2023، ما ألغى التقدم المحرز في البرازيل وكولومبيا في مكافحة إزالة الغابات.
مناخ يزيد الكارثة
أدى تغيّر المناخ إلى خلق بيئة مثالية لانتشار الحرائق، إذ ارتفعت درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، وجف الهواء في الغابات المطيرة، ما حوّلها إلى بيئة قابلة للاشتعال عند أدنى شرارة.
وسجّل عام 2024 أعلى متوسط حرارة على الإطلاق، وتفاقمت آثاره في منطقة الأمازون بسبب ظاهرة "النينيو" المناخية.
وأشعل المزارعون حرائق لتهيئة الأراضي لزراعة فول الصويا أو تربية الماشية، إلا أن هذه الحرائق غالبًا ما خرجت عن السيطرة.
قدّرت منظمة GFW أن هذه الحرائق أطلقت 1.15 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون، أي أكثر مما تنتجه قارة أمريكا الجنوبية بأكملها من حرق الوقود الأحفوري خلال عام.
البرازيل أكبر الخاسرين
خسرت البرازيل، التي تضم القسم الأكبر من غابات الأمازون، نحو 28200 كيلومتر مربع من الغابات الاستوائية في 2024، وهو أعلى معدل سنوي منذ عام 2016.
تكبدت جهود الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا (لولا) خسارة فادحة، رغم نجاحه سابقًا في خفض إزالة الغابات بنسبة الثلث بين عامي 2022 و2023.
لكن آثار تغير المناخ، وموجة الجفاف الشديدة التي ضربت البلاد العام الماضي، فاقمت التحديات، وأدت إلى حرائق مدمرة أسهمت بنسبة 60% من إزالة الغابات في الأمازون البرازيلي.
انخفاض إزالة الغابات
تُظهر البيانات الحكومية انخفاض إزالة الغابات في عام 2024، لكنها لا تشمل الأضرار الناجمة عن الحرائق، ما يُضعف مصداقية الأرقام الرسمية.
ألغى نواب ولاية ماتو غروسو في أكتوبر 2024 امتيازات ضريبية كانت تُمنح للشركات التي تلتزم بتجارة فول الصويا دون إزالة الغابات، في خطوة تُشجع الإنتاج الزراعي على حساب البيئة.
وأقرّ برلمان ولاية روندونيا قانوناً يتيح "العفو" عن عمليات إزالة الغابات السابقة، ما يرسل إشارات خاطئة لمربي الماشية ويُكرّس الإفلات من العقاب.
أدى هذا إلى اتساع ظاهرة الاستيلاء غير القانوني على الأراضي، وتشجيع عمليات القطع والحرق، على حساب الغطاء الحرجي والتوازن البيئي.
سياسات مشجعة للزراعة
تبنّى قادة بوليفيا منذ سنوات سياسات مشجعة للزراعة الصناعية، من خلال حوافز مالية وتشريعات متساهلة، شجعت على إزالة الغابات باستخدام النار.
ألغت الحكومة في عام 2019 الحظر المفروض على تصدير لحوم الأبقار، وأقرّت قانونًا يعزز استخدام الحرائق لتوسيع الزراعة.
تزامنت هذه الإجراءات مع ارتفاع كبير في صادرات اللحوم، لكن على حساب الغطاء النباتي، ارتفعت إزالة الغابات في بوليفيا بأكثر من خمسة أضعاف منذ 2019.
أشارت GFW إلى أن البلاد خسرت 14800 كيلومتر مربع من الغابات في 2024، بزيادة قدرها 200% مقارنة بعام 2023، بلغت نسبة الحرائق ثلثي إجمالي هذه الخسارة.
أما المحاسبة، فكانت شبه معدومة، فمن أصل 136 قضية متعلقة بإزالة الغابات بشكل غير قانوني عام 2024، صدر حكم في ست حالات فقط.
بيرو وكولومبيا
عدّلت حكومة بيرو في عام 2024 قانون الغابات لتسهيل التوسع الزراعي، ما منح عمليًا عفوًا لمن أزالوا الأراضي بطريقة غير قانونية، أدى ذلك إلى ارتفاع خسارة الغابات الاستوائية في البلاد بنسبة 25%.
وفي كولومبيا، استفادت الجماعات المسلحة من ارتفاع أسعار الذهب عبر التنقيب غير الشرعي داخل الغابات، إلى جانب توسيع مزارع الكوكا، ما أدى إلى زيادة فقدان الغابات البكر بنسبة 49% خلال العام الماضي.
يعكس هذا الاتجاه العلاقة المباشرة بين تدهور الوضع الأمني وارتفاع معدلات إزالة الغابات.
ورغم تمتعها بواحدة من أكثر الغابات نقاءً في الأمازون، شهدت دولة غيانا زيادة بنسبة 275% في إزالة الغابات خلال عام 2024، جاء ذلك بسبب اشتداد الحرائق وانتشار أنشطة التعدين غير القانوني للذهب.
تُطالب الحكومة الغيانية العالم بدفع مقابل لحماية غاباتها الغنية بالكربون والتنوع البيولوجي، لكن التحديات المناخية والضغوط الاقتصادية تهدد بتحويل هذه النيات إلى مجرد وعود خاوية.
مواجهة مناخ يزداد احتراقًا
تكشف أحداث عام 2024 أن التغير المناخي بات العامل الحاسم في مستقبل الغابات المطيرة في الأمازون، ورغم وجود سياسات محلية طموحة في بعض الدول، فإن تأثيرها يتضاءل أمام موجات الجفاف، الحرائق المستعرة، والمصالح الاقتصادية التي تدفع باتجاه الاستغلال الجائر.
تكشف هذه الكارثة البيئية عن الحاجة الماسة إلى استجابات دولية موحدة، وخطط تنموية توازن بين حماية البيئة وتحقيق النمو الاقتصادي، قبل أن تخسر البشرية ما تبقى من "رئتها الخضراء".